يمكن رسم الصورة السياحية لسورية من خلال فسيفساء محافظة إدلب شمال غربي البلاد حيث يقع 620 موقعاً أثرياً والكثير من المصايف والمواقع: من المدن الميتة أو المنسية في البارة وسرجلا إلى آثار إيبلا في تل مرديخ، ومن متحف معرة النعمان أحد أهم متاحف الفسيفساء في الشرق الأوسط إلى متحف إدلب بما يحتوي من آثار، ومن ضريح الفيلسوف أبي العلاء المعري إلى ضريح الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز وربما من مقام النبي أيوب، ومن مصياف جبل الأربعين في منطقة أريحا إلى ينابيع عين الزرقاء وربما من حمام الشيخ عيسى والمياه الكبريتية فيه. وقد أتاح وقوع هذه المحافظة على الطريق بين اللاذقية الساحلية وحلب التجارية ميزة إضافية لم يدرك القيمون على المنطقة أهميتها إلا في الفترة الأخيرة عندما تم تسهيل افتتاح فندق كبير في إدلب قادر على تلبية احتياجات الزائرين، ما ساهم في طي صفحة من كتاب الإهمال الذي يعود إلى العام 1957 عندما سميت محافظة و"انفصلت" عن أختها الكبرى تجارياً واقتصادياً وثقافياً: حلب. لكن مهما كان ذوق السائح - الزائر واهتمامه فليس لديه سوى خيارين: الدخول عبر حلب أو اللاذقية إلى هذا الركن في الزأوية الشمالية الغربية للعالم العربي الذي شكل بوابته مع العالم العثماني لمدة 400 سنة. لا شك في أن الانطلاق من فندق "بارون" في وسط حلب أو أحد البيوت الحلبية العتيقة يحمّل الرحالة الكثير من الذكريات التي تركها عظماء مثل الكاتبة البريطانية اغاتا كريستي ولورانس العرب وكبار السياسيين مثل كمال اتاتورك وتيودور روزفلت. وبعد السير 52 كيلومتراً جنوباً يكون الموعد مع لوحة كتب عليها تل مرديخ إيبلا على بعد ثلاثة كيلومترات. والمتعة هنا هي أن نصف ساعة فقط تنقلك من فندق عمره 90 سنة إلى بيوت طينية تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. تدفع نحو دولار أو دولارين فيرفع الحارس الحاجز الحديد الذي يفصلك عن ذاك التل المحاط بالحشائش الخضراء قبل أن يصفر لونها هذه الأيام. في هذا المكان وجد العالم الإيطالي بأولو ماتييه قبل عقدين اقدم مكتبة في العالم تضم 17 ألف رقيم طيني. وهو قال لـ "الحياة" أن هذه المكتبة ضمت ارشيفاً مكتبياً يعود إلى العام 2300 قبل الميلاد من ضمنه أول اتفــاق سلام وقع بين إيبلا ومملكة ابرسال وتضمن فرض الإذعان على الثانية باعتبارها الخاسرة. وكانت إيبلا أثارت ضجة كبيرة بسبب مزاعم جمعيات صهيونية عن وجود علاقة بينها وبين المملكة العبرية، لكن بأولو ماتييه أوضح :"إن الآمر المؤكد هو آن إيبلا اقدم بكثير من التوراة حيث أن اقدم الأقسام التي حررت منه لا يمكن إعادتها إلى اكثر من 800 قبل الميلاد. أما عمّا قيل عن ورود كلمات مثل "اسرائيل" و"عامور" و"صادوم" و"ابراهام" في وثائق إيبلا فليس صحيحاً، مما يدحض ما زعمه بعض الصحافة الأميركية عن وجود الفكر العبراني في المكتشفات الأثرية". وقال رئيس شعبة الآثار غازي علولو "إن هذا التل احدث هزة في الأوساط العلمية العالمية ونبه إلى أهميتها اكتشاف م**ح بازلتي في العام 1955. واعتماداً على القطع الفخارية التي وجدت في القصر الملكي يمكن القول ان الدمار الذي حل بالمدينة وقع في العام 2250 قبل الميلاد".
هذه المعلومات ترسم صورة عظيمة لتل مرديخ لا تعدو أن تصطدم بالواقع: فإذا كنت تتوقع صرحاً فخماً مثل قلاع حلب أو صلاح الدين أو الحصن فستصاب بالخيبة، لكن أن تكون من القادرين على إطلاق العنان للخيال لرسم أبهى الصور من الطين فليس أمامك سوى الإبحار في هذا العالم "الإيبلائي" المترامي على بعد أمتار بين السهول الترابية. وفي غرفة صغيرة يقوم الحارس لاستقبالك وكأنك قادم إلى بيته: يضع الشاي على النار ويغسل الكؤوس ثم يبدأ عمله كـ "دليل سياحي" ليساعدك في بناء صورة المكتبة والقصور من الأحجار الكلسية والغضارية. تعود أدراجك إلى طريق حلب - دمشق حيث تجد بعد بضعة كيلومترات مدينة الفيلسوف آبي العلاء المعري الذي توفي في منتصف القرن الحادي عشر تاركاً اشعاراً وفلسفة لا تزال تعيش في الكتب. وإذا كنت من أولئك الذين قرأوا ما كتبه أمين معلوف في "الحروب الصليبية" عن المجازر التي ارتكبت قبل نحو 900 سنة وعن أكلة لحوم البشر الذين نزلوا بالأطفال التهاماً وشواء، فلا بد ان تبحث عن ذاك السور الذي منع المجزرة بضعة أسابيع. أما إذا كنت من قارئي "رسالة الغفران" و"اللزميات" و"سقط الزند" فلا بد من البحث عن تمثال "رهين المحبسين" وضريحه. كان أبو العلاء توفي قبل نحو خمسين سنة من وصول الصليبيين وأكلهم "أحفاده"، لكن الصدفة وحدها جعلت منه أول الخضاريين غير الراغبين في أكل اللحم. عندما زرنا متحف المعرة قبل سنوات كان كامل شحادة في انتظار التقاعد بعد بلوغه السبعين، وعندما زرناه الآن لاحظنا تغييراً في كل شيء بعد تسلم الدكتور علولو دائرة الآثار. هذا المتحف يختلف حوله الخبراء في ما إذا كان "الأهم في العالم أو في الشرق الأوسط"، لكنهم يتفقون على انه "مهم". وهو اقيم في خان مراد جبلي الذي يعود إلى العام 1517 حيث يتوسطه مسجد كبير تلتف حوله قاعات كبيرة مقسمة تاريخياً وفنياً حسب لوحات الفسيفساء الموجودة فيه.
والفسيفساء فن تصويري يستهدف التعبير بصف قطع يبلغ طول الواحدة منها مليمترات ليصور ما يدور في الخيال تجاه الطبيعة والمعتقدات والبطولات التي يسجلها قادة أي فترة تاريخية. ويقوم التصوير احياناً على خلفية رمزية إذ إن الحمل يرمز إلى السيد المسيح والطاووس إلى الخلود والقيامة. ونتيجة غنى المنطقة الشمالية بالكنائس البيزنطية - الرومانية أقامت المديرية العامة للآثار والمتاحف ورشة لترميم اللوحات. ومن اللوحات المهمة الموجودة فسيفساء هرقل وتبلغ مساحتها 027 متراً مربعاً ويعود تاريخها إلى القرن الثالث الميلادي وهي مستقاة من التراث الإغريقي وتضم مواضيع عدة: يصور المشهد الأول هرقل في مركب مع أخيه ايفيكلس خارجين من البحر وهو يحمل أفعى لخنقها حيث تسارع والدته لإنقاذ أخيه فيما يشهر الوالد سلاحه، ويقف هرقل في المشهد الثاني أمام الإله ليباركه إلى جانب اناسيا حاملة المشعل. ويجمع المشهد الثالث اناسيا ووالدته، فيما يضم المشهد الرابع هرقل أمام أوقيانوس اله النمو والمحيطات بعدما طعن أفعى فسال منها الدم على الشجرة التي تلفها. وبين يوم وآخر تظهر أنباء عن اكتشاف لوحة في مكان ما، وهي آتية من معرشورين ودير سمعان شرقي التي تعود إلى القرن الرابع الميلادي ومعرة مصرين وتل عار وحوا ومعراتا وفركيا وام حارتين. لذلك يبدو غير مفهوم أسباب تراجع زوار المعرة من نحو تسعة آلاف في العام 1998 إلى 6607 اشخاص في العام الماضي! بعد سبعة كيلومترات من مدخل هذه المدينة من بوابة حلب وعلى اليسار يقع دير نقيرة أو شرقي الذي يضم ضريح الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى جانب الشيخ ابي زكريا يحيى بن منصور. ويختلف المؤرخون حول دقة هذه الرأوية لكن هناك اجماعاً على انه ضريح الخليفة الاموي الذي توفي سنة 720، وهناك إجماع ايضاً على أن الضريح مهمل تماماً إذ انه يقتصر على غرفة تضم قبرين تعلوهما حشائش، عدا عن سوء الطريق الترابية المتفرعة من أوتوستراد حلب - دمشق سواء في الشتاء بسبب الطين أو في الصيف بسبب الغبار. لكن ربما يكون جا**اً للراغبين بالمغامرات. ولعل الخيار الأفضل بعد ذلك هو التوجه إلى "رويحه" وهي إحدى المدن الميتة في المحافظة والتي تأسر النظر لاسباب عدة منها المساحة الكبيرة التي تمتد عليها وزرقة حجارتها التي تبدو مع الغروب كبحر أزرق، اضافة إلى تداخل الآثار والمعالم الاثرية مع البيوت التي يعيش فيها الناس. وما ان تهبط السيارة من أحد التلال حتى تلمع الحجارة الزرقاء في العيون على امتداد الافق. ويفضل السيد علولو ان نسميها واحدة من "المدن المنسية وليس الميتة". ويضيف ان في إدلب 200 مدينة من هذا النوع يختلف المؤرخون عن اسباب دمارها، لكن هناك اجماعاً على اسباب عدة منها حصول كوارث طبيعية وامراض مثل الطاعون اضافة إلى ان عدداً من اهالي المنطقة رحلوا بعد الفتح الاسلامي لأنهم كانوا من المسيحيين السريان. وهناك سبب آخر يتعلق بحصول زلزال كبير في العام 1157. وبالنسبة إلى التداخل بين البيوت والآثار يقول علولو ان ذلك نتج "من حالة الفقر والعوز التي عاشها بعض البدو المتنقلين وحالة القحط والجفاف التي ترافقت مع الحروب ورغبة هؤلاء بالاستقرار لذلك توطنوا مع بداية القرن الماضي في البيوت والدور الأثرية". لكنه يشير في الوقت نفسه إلى "إجراءات صارمة من مديرية الآثار لمنع التعديات على المواقع الأثرية. وهناك محأولات حثيثة لـتأمين سكن لهؤلاء". سرنا في اتجاه شمال - غرب لمسافة 15 كيلومتراً لنصل إلى اريحا أو ريحا وهو تكبير لكلمة "رويحا". وتضم هذه المنطقة جبل الاربعين الذي يعد احد اهم المصايف للحلبيين ويحتوي عدداً من الفنادق والبيوت المعروضة للإيجار وبعض الفيلات حيث بنى تاجر حلبي قصراً بكلفة أكثر من ثلاثة ملايين دولار. وتضم المدينة ايضاً مدافن تعود إلى العام 386 حيث وجد فيها صينية تصور السيد المسيح في العشاء الاخير مع الحواريين تعود إلى القرن الخامس الميلادي. كل ذلك يجعل من مصايف هذه المدينة نقطة اساسية للراحة وتنأول الطعام فيها أو حتى قضاء ليلة قبل التوجه إلى المدن الميتة... أو المنسية. الخيار الثاني هو تنأول الغداء في "استراحة الخطيب" أو تنأول وجبة سريعة في العقدة التي تصل أوتوستراد حلب - اللاذقية بجبال الزأوية التي تضم الكثير من المناطق والآثار الجميلة. وللوصول إلى هناك لا بد من المرور ببلدة أورم الجوز التي تبعد ثلاثة كيلومترات غرباً. وكلمة "أورم" ارامية تعني "مدن" لأن "أور" تعني مدينة والميم للجمع. ويقول المؤرخ "الإدلبي" فائز قوصرة ان الملك الفرعوني تحوتمس الثالث قاد حملة عسكرية مرت بأورم الجوز في العام 1450 قبل الميلاد، وأقام في الوادي الاخضر الواقع غربها والذي لا يزال يضم اشجار الجوز والكرز. وفي هذه الايام تنتصب الخيام على طرفي الطريق لبيع الكرز والعنب والتين الطازج. ومن محل صغير يسمى "ع العين" يمكن التوجه جنوباً إلى البارة وسرجلا وكنيسة قلب لوزة، ذلك ان قيادة السيارة في تعرجات الطريق المؤدي إلى تلك المناطق في جبل الزأوية ذات نكهة لا تعوض خصوصاً ان الاشجار على جانبي الطريق ارتدت ثوبها الاخضر لتظلل زوارها على طول 14 كيلومتراً. وتضم الآثار اربع كنائس ومقبرة بالاضافة إلى قلعة ابي سفيان وهي ناهضة جميعاً بين اشجار الزيتون ويعود اقدمها إلى القرن الثاني الميلادي. ويبدو ان زلزال القرن الثاني عشر فعل فعله فطوّح بالجدران ارضاً بين التراب الغضاري الاحمر. و"البارة" اشهر هذه المواقع فهي تقع في قلب جبل الزأوية وتبعد نحو 30 كيلومتراً ويبلغ ارتفاعها 650 متراً عن سطح البحر، وتضم اكبر مجموعة خرائب اثرية رومانية بيزنطية تعود للقرون الوسطى، وزمن تأسيسها لا يزال مجهولاً وقد تكون موغلة في القدم. واستناداً إلى بعض النصوص السريانية كانت تدعى "كفر ادبرتا" ودرج اسمها في العديد من الكتب التاريخية. فيها العديد من الكنائس والقبور الهرمية ومعاصر الزيتون. تعرضت لزلازل كثيرة اهمها الذي حدث عام 1958. وشهدت معارك طاحنة بين العرب المسلمين والصليبيين والبيزنطيين، ونتيجة لذلك تزعزع وضعها الاقتصادي والاجتماعي وتراجعت ثروتها الزراعية والحيوانية... فراحت المدينة تخبو وأخذ نجمها بالافول بعد مغادرة السكان. وبعد المتعة التاريخية، يمكن استئناف المتعة في مشاهدة الطبيعة عبر الانتقال بين القرى والبيوت المقامة على جانبي طريق ترابي - طيني قديم أو طريق اسفلتي جديد يوصل إلى قمة النبي ايوب على ارتفاع يصل إلى الف متر. وتضم القمة مسجداً صغيراً بسيطاً يقع فيه مقام للنبي ايوب وليس ضريحاً كما يعتقد بعضهم، ذلك ان النبي ايوب مر من هنا ولم يمت في هذا المكان. وكان الباحث الالماني ريتر قال: "هناك جبل مخروطي يدعى النبي ايوب محط انظار الجميع لانه كان اكبر بمئة مرة من طائر العناق واقوى بالف مرة من شمشون الجبار". وحيث اقام تاجر حلبي فيلا بيضاء محاطة بالتراب الاسود، يقع في طرف الجبل نبع كبريتي يقصده الناس للشفاء من امراض جلدية. ارقام: لا يتجأوز عدد زائري متحف محافظة إدلب 11 الفاً في السنة بينما يبلغ عدد زائري متحف حلب 42 الفاً من اصل نحو 700 الف زائر يقصدون المتاحف السورية في كل سنة. وفيما بلغ وسطي عدد زائري قلعة حلب 160 الفاً، فان عدد زائري حضارة إيبلا في تل مرديخ لا يتجأوز 11 الفاً من اصل 438 الف شخص يزورون الاماكن السياحية الثلاثة عشر الاساسية في البلاد. ويزور 25 الفاً آثار ومدافن تدمر و 44 الفاً معبد بل في المدينة نفسها وسط البلاد و73 الفاً قلعة الحصن و 17 الفاً حضارة راس شمرا حيث وجدت اللغة الأبجدية.
bhooralhb المشرف العام
عدد الرسائل : 63 تاريخ التسجيل : 09/01/2008
موضوع: رد: إدلب في سوريا الخميس فبراير 28, 2008 5:52 am
مشكووووووووووووووووووووووووور
MY_LOVE
عدد الرسائل : 102 الأوسمة : تاريخ التسجيل : 30/01/2008
موضوع: رد: إدلب في سوريا الخميس فبراير 28, 2008 5:59 am
bhooralhb mmmmmmmeeeerrrrrccccciiiiiiii على مرورك """"""""""""""""""""""""""""""""""""
أحمد_mesto المدير العام
عدد الرسائل : 928 الأوسمة : تاريخ التسجيل : 07/01/2008
موضوع: رد: إدلب في سوريا الخميس فبراير 28, 2008 6:03 am